عرفت إسرائيل منذ احتلالها لفلسطين، العديد من التنظيمات الإرهابية اليهودية، التي استهدفت الفلسطينيين، فضلاً عن عدد كبير من الإرهابيين الذين نفذوا عمليات إرهابية بشكل فردي، متأثرين بالبيئة اليمينية-الدينية المتشددة التي نشأوا فيها، خصوصاً في المستوطنات الإسرائيلية، والإيديولوجية القومية المتطرفة التي يحملونها.
كما اعتمدت بعض هذه التنظيمات، سياسة تضييق الدائرة على أعضائها، بحيث يعملون بسرية تامة وغالباً لا يعرفون بعضهم البعض، مما يصعبّ التحقيقات لاحقاً حول المجازر والعمليات الإرهابية التي ينفذونها، وهو الوضع الذي ما زال قائماً حتى اليوم، ويستغله "الشاباك" شماعة، لفشله أو عدم جديته في ملاحقة الإرهابيين.
في ثمانينيات القرن الماضي على سبيل المثال، أُطلق اسم "المنظمات السرية اليهودية"، على تنظيمات مختلفة، ليهود نفذوا عمليات إرهابية ضد فلسطينيين. ويوم 2 يونيو/حزيران من العام 1983، قام أعضاء من هذه التنظيمات بتفخيخ سيارات ثلاثة رؤساء بلديات أعضاء في منظمة التحرير الفلسطينية، وإصابتهم بجراح بليغة. ثم عادت يوم 26 يوليو/تموز 1983 وقتلت ثلاثة طلاب بإلقاء قنبلة على الكلية الإسلامية في الخليل. وخططت مجموعة من أعضاء التنظيمات لتفجير المسجد الأقصى.
تمكّن "الشباك" في حينه من الكشف عن بعض المعلومات، لكنه لم يسارع لاعتقال أعضاء التنظيمات، إلى أن تم اعتقال 29 منهم، بعضهم متلبسين خلال عملية تفخيخ خمس حافلات في شرقي القدس في 27 أبريل/نيسان 1984، وانتهى الأمر بإدانة 15 منهم فقط.
حُكم بالمؤبد على ثلاثة أعضاء، فيما لم تتجاوز أحكام آخرين 7 سنوات، ثم وقّع 300 ألف اسرائيلي على عريضة تطالب بإطلاق سراحهم. لاحقاً تم إطلاق سراحهم بعفو من الرئيس الإسرائيلي حاييم هرتسوغ. أما أبرز التنظيمات الإرهابية الإسرائيلية فهي:
"منظمة إرهاب ضد الإرهاب"
شهد شهرا ديسمبر/كانون الأول 1983 ويناير/كانون الثاني 1984، عدة عمليات وضع قنابل مفخخة، في مؤسسات دينية فلسطينية في منطقة القدس، وتم اعتقال ثلاثة أشخاص، حكموا بالسجن لمدة ست سنوات فقط.
"عصابة لفتا"
في العالم 1984 تحديداً في شهر يناير/كانون الثاني، تم الكشف عن تنظيم يهودي، خطط لتفجير المسجد الأقصى، وكان أعضاء العصابة، يقيمون على أراضي قرية لفتا المهجرة. وتم اكتشاف أمرهم بعد أن تمكنوا من التسلل إلى باحات الحرم القدسي ليلة 26 يناير/كانون الثاني، يحملون عبوات ناسفة. تم الزعم في حينه أن اثنين من أعضاء التنظيم غير مؤهلين للوقوف أمام القضاء، فيما فر عضو ثالث هارباً إلى خارج البلاد، أما العضو الرابع (شمعون باردا) فتم سجنه إلى أن تمكّن من الفرار عام 1988، وحصل على صاروخ "لاو" أراد استعماله لتفجير الأقصى وإنهاء المهمة التي سُجن لأجلها، لكنه عاد وسلم نفسه للشرطة، وفقاً لمصادر إسرائيلية.
"دورية الانتقام"
في أعقاب مقتل مؤسس حركة "كاخ" الإرهابية، مئير كاهانا في العام 1990، قام أربعة من تلامذته بإنشاء مجموعة انتقاماً له أطلقت على نفسها اسم "دورية الانتقام"، وقاموا في الذكرى الثانية لمقتل زعيمهم، بإلقاء قنبلة على سوق القصابين في البلدة القديمة في القدس، أسفرت عن استشهاد فلسطيني وجرح آخرين. القضاء الاسرائيلي حكم بسجنهم لفترة تتراوح بين 5 و15 عاماً، خرجوا لاحقاً بعفو من الرئيس الاسرائيلي عيزر وايزمان، أما المنفذ الرئيسي فتم تخفيض سجنه لعشر سنوات.
"تنظيم بات عاين"
توالت السنوات، واستمرت التنظيمات اليهودية الإرهابية التي تستهدف الفلسطينيين، بالظهور في إسرائيل، وتم في العام 2002 اعتقال مجموعة من المستوطنين أقاموا تنظيماً باسم "بات عاين"، يهدف إلى القيام بعمليات مسلّحة ضد الفلسطينيين. تم اتهام المجموعة كذلك بسرقة أسلحة من الجيش الإسرائيلي، لكن في المقابل تمت تبرئتهم من تهمة قتل ثمانية فلسطينيين.
اقرأ أيضاً: "الشاباك" الإسرائيلي يدعي عجزه عن مواجهة عصابات "جباية الثمن"
"تدفيع الثمن" و"فتية التلال"
في العام 2008 عاد إلى الواجهة ما يُسمى بـ"عمليات تدفيع الثمن"، التي طاولت في السنوات الأخيرة والعام الحالي، ممتلكات الفلسطينيين في الداخل ومقدساتهم، ابتداء من تخريب سياراتهم وخط عبارات عنصرية عليها، وصولاً إلى إحراق مساجد وكنائس، كان آخرها كنيسة الطابغة في منطقة طبريا قبل نحو شهر. وتعالت أصوات الفلسطينيين وقياداتهم بالداخل، تطالب باعتبار عمليات "تدفيع الثمن"، عمليات إرهابية، وانتقدوا التقاعس الكبير الذي أبدته الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وعدم تطويقها للظاهرة أو اعتقال الفاعلين في معظم الحالات، القادمين من المستوطنات الاسرائيلية غالباً، وعُرفت مجموعة منهم باسم "فتية التلال".
"تمرد"
مطلع الأسبوع الماضي، اعتقلت الأجهزة الإسرائيلية، المستوطن مئير إيتينجر، حفيد مؤسس حركة "كاخ" الإرهابية ميئير كاهانا. وعلى الرغم من أن عمره لا يتجاوز 24 عاماً، اعتبره "الشاباك" الإسرائيلي من أخطر الشخصيات، إذ يقف على رأس تنظيم "تمرد"، وهو تنظيم يضم عشرات الفتية، ونسخة أكثر تشدداً وتنظيماً، ممن كانوا يُشكلون "فتية التلال" ومجموعات "تدفيع الثمن". يتم اختيار أعضاء التنظيم بعناية فائقة، ويعقدون اجتماعاتهم بسرية تامة في الجبال من دون أجهزة المحمول أو غيرها. مخاوف "الشاباك"، التي تكشفت هذا الاسبوع، نابعة من كون التنظيم يستهدف إسرائيل أولاً من خلال استهداف الفلسطينيين، إذ يسعى لتنظيم اعتداءات وإثارة اضطرابات عنيفة في الضفة الغربية، وإشعال الوضع إلى حين انهيار النظام في إسرائيل متأثرا بالأحداث، وذلك انتقاماً من المؤسسة الرسمية الإسرائيلية، التي هدمت بعض البؤر الاستيطانية.
عمليات "فردية" وأحكام هزيلة
منذ الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين، أقدم إرهابيون يهود على تنظيم عشرات العمليات الإرهابية التي استهدفت الفلسطينيين، في القدس المحتلة، الضفة الغربية والداخل الفلسطيني، وصُنّفت من قِبل المؤسسة الإسرائيلية على أنها عمليات فردية، لم تكن في إطار تنظيمات. لكن الواقع يؤكد أن هذه العمليات "الفردية"، ما هي إلا نتاج تطرف ديني، أيديولوجي وقومي، وهي واضحة المنابع، تترعرع في بيئة حاضنة لمثل هذه التوجهات. ولا يمكن نسيان إقدام مستوطنين على خطف وحرق الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير قبل نحو عام، وحرق الرضيع علي دوابشة وعائلته قبل أيام.
ومن بين العمليات التي اعتبرت فردية من قِبل المؤسسة الاسرائيلية، مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل التي نفذها الإرهابي باروخ غولدشطاين، يوم 25 فبراير/شباط 1994، فقتل 29 فلسطينياً وأصاب 125.
وفي الداخل الفلسطيني، فتح المستوطن الإرهابي عيدان ناتان زادة، في 4 أغسطس/آب 2005، النار داخل حافلة في مدينة شفاعمرو العربية في الجليل، فقتل أربعة ابرياء وأصاب آخرين. واعتبرت الجماهير العربية في الداخل الفلسطيني وقياداتها، أن ناتان زادة لا يُمثّل حالة فردية، ولكن تياراً كاملاً من المستوطنين المتطرفين، إلا أن المؤسسة الإسرائيلية لم تحرك ساكناً، بل حوّلت الضحية إلى جلاد، وقامت بسجن من قاموا بالدفاع عن أنفسهم وباقي ركاب الحافلة، متهمة إياهم بقتل الإرهابي اليهودي.
على الرغم من تكرار العمليات الإرهابية اليهودية، تساهلت المؤسسة الإسرائيلية مع الإرهابيين، وكانت الأحكام مخففة في القضاء الإسرائيلي، وفي أكثر من حالة تم العفو عنهم بتدخّل الرئيس الإسرائيلي، الذي يمنحه القانون هذه الصلاحية. ويؤدي الساسة الإسرائيليون منذ عقود وحتى يومنا هذا، دوراً كبيراً في تغذية العنصرية والتطرف، من خلال تصريحاتهم وتحريضهم على الفلسطينيين، وتنافسهم في الكثير من الأحيان على دعم المستوطنين والمتطرفين والتماهي معهم.
تطول الأمثلة الممتدة منذ عقود لكن قبل أيام معدودة فقط، صرح رئيس منظمة "ليهافا" الإرهابية اليهودية، بنتسي غوبشطاين، بصورة علنية عن تأييده لحرق الكنائس، وتم توثيق أقواله التي جاءت رداً على سؤال أحد الحاضرين، في شريط مسجل خلال ندوة عُقدت في معهد ديني يهودي في القدس، لكن إلى اليوم لا تعتبر السلطات الإسرائيلية هذه المنظمة إرهابية، بل إن "الشاباك" زعم في الآونة الأخيرة، عدم وجود أدلة ضد منظمة "ليهافا" تسمح بالإعلان عنها كمنظمة إرهابية.
اقرأ أيضاً: عقد على مجزرة شفاعمرو... إرهاب المستوطنين يتمدّد